جدول التنقل
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما _(كلاهما) ؟
الإجابة هي: ملحق بالمثنى.
اللغة العربية تزخر بالتراكيب والأساليب التي تحمل دقةً لغوية ومعاني بلاغية عميقة، ومن بين هذه التراكيب ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ [الإسراء: 23]. هذه الآية الكريمة تأتي في سياق الأمر ببرّ الوالدين، وهي من أرقى التعابير القرآنية التي تجمع بين الإيجاز والوضوح. وفي هذا المقال سنتناول بشكل خاص الكلمة “كلاهما” من الناحية النحوية، مع توضيح دلالتها في السياق.
أولًا: موقع الكلمة في النص القرآني
جاءت كلمة “كلاهما” في سياق عطف، حيث قال تعالى: “أحدهما أو كلاهما”. والمعنى: إن بلغ عندك أحد الوالدين الكبر أو بلغه كلاهما معًا، فعليك برّهما والإحسان إليهما. هذا الأسلوب يجمع بين حالتين: وجود أحدهما فقط أو وجودهما معًا في سن الكبر.
ثانيًا: التحليل النحوي لكلمة “كلاهما”
من الناحية النحوية، “كلاهما”:
- كلا: اسم ملحق بالمثنى، يعرب إعراب المثنى رفعًا بالألف، ونصبًا وجرًا بالياء، بشرط أن يُضاف إلى الضمير أو الاسم الظاهر.
- هما: ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
وبذلك فإن كلمة “كلاهما” تعرب هنا بدلًا أو عطف بيان من “أحدهما” أو معطوفة عليه بحسب السياق، وهي ملحقة بالمثنى لأن كلا وكِلتا إذا أضيفتا إلى الضمير أو الاسم الظاهر أُعربتا إعراب المثنى.
ثالثًا: المعنى والدلالة
كلمة “كلاهما” تشير إلى اجتماع الوالدين معًا في حالة واحدة، وهي بلوغ الكبر عند الابن أو الابنة. وهذا التعبير يُبرز أهمية برّ الوالدين في أشد مراحل حاجتهما، إذ أن كبر السن يجعل الوالدين أكثر حاجة للعطف والرعاية.
رابعًا: القاعدة النحوية المرتبطة
القاعدة العامة تقول:
- كلا وكلتا إذا أضيفتا إلى الضمير أو الاسم الظاهر، تُعربان إعراب المثنى.
- إذا لم تُضَافا، تُبنيان على الضم في محل رفع أو نصب أو جر حسب موقعهما.
في الآية، أُضيفت “كلا” إلى الضمير “هما”، فأُعربت إعراب المثنى، ولهذا يصح القول بأن “كلاهما” ملحق بالمثنى.
خامسًا: الإعجاز البلاغي في التعبير
استخدام “أحدهما أو كلاهما” بدلًا من الاكتفاء بـ”كلاهما” يحمل بعدًا بلاغيًا عميقًا:
- “أحدهما”: يشمل حالة وجود والد واحد على قيد الحياة.
- “كلاهما”: يشمل حالة وجود الوالدين معًا.
وبهذا يغطّي النص القرآني كل الاحتمالات بدقة ووضوح، مما يجعله نصًا شاملًا جامعًا.
خاتمة
كلمة “كلاهما” في قوله تعالى “إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما” ليست مجرد تركيب لغوي، بل هي مفتاح لفهم قاعدة نحوية مهمة في العربية وهي الإلحاق بالمثنى، إضافةً إلى ما تحمله من قيمة معنوية في سياق برّ الوالدين. هذا الأسلوب القرآني يجمع بين الدقة النحوية والثراء البلاغي، ويعطي نموذجًا يحتذى به في البيان العربي.